Canalblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

ملتقى طلبة القانون

ملتقى طلبة القانون
Visiteurs
Depuis la création 16 212
Newsletter
Catégories
ملتقى طلبة القانون
25 août 2011

مفهوم النفقة : التعريف بالنفقة شرعا وقانونا

ماهية النفقة وحكم مشروعيتها – الفصل التمهيدي:
نظمت مدونة الأسرة[1] العديد من الالتزامات المالية المرتبطة بعقد الزواج، سواء ذات المصدر الاتفاقي، والتي يعد تدبير الأموال المشتركة أبرز مثال لها، أو التي نجد مصدرها في القانون، من مثل الصداق والمتعة والنفقة.

وتعد النفقة من بين الآثار المترتبة عن الزواج أو عن انحلاله، التي بالنظر للطابع الإنساني الذي تمتاز به، أولى لها المشرع اهتماما خاصا، حيث نظم أحكامها عموما في القسم الثالث من الكتاب الثالث، المتعلق بالولادة ونتائجها ضمن المواد من 187 إلى 205 من المدونة.

وقد عرفت قواعد النفقة العديد من التطورات، انعكاسا للتفاعلات التي يعرفها المجتمع[2]، وهكذا فإذا كان ظهير 1957 استنبط قواعدها من الفقه المالكي، مما أدى إلى بعض الصعوبات الواقعية والعملية في الاستفادة منها، فإنما بعد تعديلات 1993 كرس المشرع الطابع الاستعجالي للنفقة، وأسند للقاضي السلطة التقديرية في تحديدها، أما مدونة 2004، فقد استهدفت بقواعد النفقة حماية حقوق الزوجة والأطفال.

ويكتسي البحث في موضوع النفقة أهمية بالغة، إن على مستوى الأكاديمي، وذلك نظرا لشح الدراسات التي تناولته في ظل مدونة الأسرة، أو على المستوى العملي، وذلك بالرجوع إلى النسب الكبيرة لعدد قضاياها المعروضة على أقسام قضاء الأسرة[3].

وبإطلالة على تشريعات بعض الدول العربية[4]، نلاحظ تشابها في أحكام النفقة، باستثناء إلزام مجلة الأحوال الشخصية التونسية الزوجة بالمساهمة في الإنفاق على العائلة إن كان لها مال.

غير أنه لابد من الإشارة إلى أن هذا البحث سيركز على النفقة، كأثر منآثار الزوجية سواء أثناء قيامها أو عند انحلالها، نظرا للإشكالات العملية التي يطرحها.

من هذا المنطلق تبرز إشكالية مدى تحقيق كل من أحكام النفقة، والتفاعل القضائي معها، للعدل والإنصاف من جهة، وللمساواة في الالتزامات بين الزوجين من جهة ثانية.

ومعالجة هذه الإشكالية تستلزم التناول التالي:

المبحث الأول: الأحكام العامة للنفقة:
يقصد بالأحكام العامة للنفقة تلك القواعد التي تتضمن مقتضيات مشتركة تسري على جميع أنواع النفقات حيث سنتطرق لتعريف النفقة (مطلب أول)، أسباب وجوب النفقة (مطلب ثاني) ثم مشتملاتها وعناصرها (مطلب ثالث).

المطلب الأول: التعريف بالنفقة:
الفقرة الأولى: مفهوم النفقة:
أولا: في اللغة:
النفقة في اللغة اسم لما ينفقه الإنسان على غيره، وقد اختلف علماء اللغة في مصدر استحقاقها فقيل هي: إما أن تكون مشتقة من النفوق، وهو الهلاك، يقال: نفقت الدابة نفوقا إذا هلكت، وإما أن تكون مشتقة من النفاق وهو الزواج، ويقال نفقت السلعة نفاقا إذا رجات.

-ثانيا: في الاصطلاح الشرعي:
هي إخراج الشخص ما لا ينفق به على من تجب عليه نفقته.
وتجب النفقة على الزوج انطلاقا من الحكم التعبدي المنصوص عليه بالكتاب والسنة والإجماع، يقول تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} (الآية 7 سورة الطلاق) ويقول أيضا: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} (الآية 6 من سورة الطلاق)، وقد روى أبو داود عن معاوية القشيري قال: “أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما تقول في نسائنا؟ قال: أطعموهن مما تأكلون وأكسوهن مما تكتسون..” وقد عزا الفقهاء سبب إنفاق الزوج على زوجته ما تضعه بين يدي زوجها من استمتاع ولما له عليها من حقوق الاحتباس والطاعة، وقد جاء بشرح مختصر الخليل قوله في باب النفقة “وسقطت إن أكلت معه أو منعت الوطء أو الاستمتاع أو خرجت من غير إذنه” ويتحقق الاحتباس المبرر للنفقة حسب التفسير الفقهي بمجرد دعوة الزوجة زوجها إلى نقلها بيته بعد إبرام العقد.

إن هذا الثلاثي: الاحتباس، الاستمتاع والطاعة أصبح في ظل الظروف المستجدة قابلا للنقد، ولعله ومما يتنافى مع ميثاق عقد الزوجية أن تختزل هذه العلاقة في المتعة الجسدية مقابل الغذاء، فمؤسسة الزواج ولما لها من قدسية بكل الشرائع المنزلة تجعلنا نستبعد أن يقوم الزواج على ركن الإمتاع  وقد يتداخل مفهوم الطاعة إلى خضوع حرمت فيه الزوجة من إنسانيتها وحقها في المساكنة الزوجية بالمعروف عملا بقوله تعالى {ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن} (الآية 6 من سورة الطلاق).

وإذا كان المذهب المالكي لا مكان فيه للحديث عن إمكانية إلزام الزوجة بالإنفاق عن الزوج كما لا يقول أيضا بسقوط نفقة الزوجة التي تمارس حرفة أو مهنة، يرى الفقه الحنفي الذي استلهمته مدونة الأسرة سقوطها “لأن التسليم- الاحتباس غير تام”[5].

-ثالثا: في الاصطلاح القانوني:
لا جدال مبدئيا في أن نفقة الزوجة لا تعني في مجمل المبادىء الفقهية إلا نفقة الزوج على الزوجة والذي تنص عليه المادة 194 “تجب نفقة الزوجة بمجرد البناء، وإذا دعته للبناء بعد أن يكون قد عقد عليها”. قد اتفقت جل المذاهب الفقهية على وجوب نفقة الزوجة على زوجها ومن ذلك جاءت المادة 199 من مدونة الأسرة الباب الثالث فيها يتعلق بالنفقة على الأولاد والتي نصت على أنه “إذا عجز الأب كليا أو جزئيا عن الإنفاق على أولاده، وكانت الأم موسرة وجبت عليها النفقة بمقدار ما عجز عنه الأب”، وينتج عن ذلك عدم سماع دعوى الزوجة (التطليق) إذا تزوجت الرجل وهي عالمة بأنه عاجز عن الإنفاق عليها.

وبذلك فقد استجاب المشرع المغربي بشكل فعلي للاتفاقية الدولية التي صادق عليها والمبرمة بنيويورك بتاريخ 16 دجنبر 1966 والتي تنص على المساواة بين الرجال والنساء حسب ما ورد في الفصل 23 منها: ” على الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية اتخاذ الخطوات المناسبة لتأمين المساواة في الحقوق – والمسؤوليات- عند الزواج وأثناء قيامه وعند فسخه” وقد يأتي السند الواقعي ليؤكد “أن المرأة في الواقع (لا القانون) هي صاحبة الولاية على الأولاد بل حتى على الزوج”[6].

إن هذه المادة-199- قد فتحت الباب أمام الزوج المعسر لرفع دعوى ضد زوجته لمطالبتها بالإنفاق إمعانا من المدونة في إقرار المساواة أمام الواجبات بالقدر الذي يتم فيه التساوي في الحقوق، وقد لاحظت ذة. نادية العشيري أن هذه المادة لا توضح المقصود بالعجز ولا مدته واعتبرت أنه وإن كانت قد ضمنت حقوق الأطفال فهي ” قد تفتح الباب على مصراعيه أمام أطماع بعض الأزواج ليقع بسببها استغلالها النساء أكثر مما هن مستغلات”[7]، ولقد جاء في قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 29 نونبر 1983، أن النفقة مفهوم لا تجب إلا بزواج صحيح شرعا، فإن كان فاسدا فلا نفقة للزوجة لأن الواجب حينئذ الافتراق لا المعاشرة، ويكون الزواج فاسدا إذا توفرت فيه شروط موانع الزواج التي تنقسم حسب ما جاء في المادة 35 إلى موانع مؤبدة وموانع مؤقتة.

_______________________
[1] قانون رقم 70-30 صادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم: 22-04-1 بتاريخ 03/02/2004، ج عدد: 5184 بتاريخ 0502/2004.
[2] انظر بهذا الصدد: خالد برجاوي “إشكالية مدونة الأحوال الشخصية بين الحركة الإنسانية والحركة الإسلامية” دار القلم 2001، (الطبعة الثالثة).
[3] وإن لاحظ السيد السيد وزير العدل انخفاضها بنسبة 3.7%  مجلة قضاء الأسرة، العدد الأول يوليوز 2005 ص: 24.
[4] مجلة الأحوال التونسية، وقانون الأسرة الجزائري.
[5]  حاشية بن عابرين الجزء الثاني ص: 647.
[6] خالد بنيس “النفقة بين الواقع والتشريع” دار النشر المعرفة. الرباط الطبعة الأولى سنة 1992 ص 29.
[7] منبر الجامعة، نادية العشيري مفهوم المساواة بين الجنسين في مدونة الأسرة نفس المرجع السابق ص: 88-89.

Publicité
25 août 2011

حكم مشروعية النفقة

حكم مشروعية النفقة – الفقرة الثانية:
النفقة واجبة بعقد الزواج الصحيح، لم يخالف في ذلك أحد من فقهاء المذاهب الإسلامية، واستدلوا على وجوبها بالكتاب والسنة والإجماع.

-أولا: القرآن الكريم:
أوجب الله على الزوج أن ينفق على زوجته، وذلك بأن يقدم لها ما تحتاجه من طعام وكسوة ومسكن، والدليل على وجوب الطعام والكسوة للزوجة على الزوج قوله تعالى :{الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا}، أي يجب على الأزواج أن يطعموا ويكسوا الزوجات على قدر المستطاع. والدليل على وجوب السكنى لها أيضا قوله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تظاروهن لتضيقوا عليهن}[1].

أما قدر النفقة، فإن الله تعالى أمر الزوج بأن يوسع على زوجته في النفقة، وأن لا يهتر عليها، كما أمر الزوجة بالصبر على القليل إن كان الزوج فقيرا إلى أن يوسع الله رزقه بقوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا}[2].

-ثانيا: السنة:
خطب الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: ” إن لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقا، لكم عليهن أن لا يطئن فراشكم أحدا تكرهونه، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة بينة، فإن فعلن فإن الله أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهت فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف”.

روى عن عائشة رضي الله عنها أن هندا زوجةأبي سفيان قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني، إلا ما آخذ من ماله بغير علم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وولدك”، فالمعروف بين الناس الذي يقره الشرع له أساس في الإسلام.

-ثالثا: الإجماع:
يكاد يجمع الفقه الإسلامي على أن سبب استحقاق الزوجة النفقة ليس عقد الزواج، ولكن تفريغها نفسها لخدمة الزوج، وذلك اعتمادا على القاعدة الفقهية التي تقضي أن: “من كان محبوسا لحق مقصود لغيره ولمنفعته، كانت نفقته على هذا الغير”، فالموظف أو العامل لا يستحق مرتبه أو أجره لمجرد قيام علاقة الوظيفة أو الشغل، بل يجب أن يقوم بأعمال الوظيفة، وذلك طبقا للقاعدة القانونية التي تنص بأنه: “الأجر مقابل العمل”، وبالتالي فنفقة الزوجة واجبة مقابل احتباسها له. ولا يجوز لها الخروج من بيت الزوجية إلا بإذنه ما دام تكفل الزوج بنفقتها ولو تعلق الأمر بقضاء مصالح مشروعة، وقد حدد الفقهاء أسباب وجوب النفقة في ثلاثة وهي: الزوجية، القرابة، ثم الالتزام.

_______________________
[1] سورة الطلاق: الآية 6.
[2] سورة الطلاق الآية 7.

25 août 2011

أسباب وجوب النفقة : الزوجية, القرابة والإلتزام

أسباب وجوب النفقة وشروط وجوبها – المطلب الثاني:
الفقرة الأولى: أسباب وجوب النفقة:
النفقة من الموضوعات التي ما تزال محل جدل ومناقشة من أكثر من جانب، ولم يتلاءم تنظيمها بعد مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي، فهناك جدال نظري واختلاف بين التشريعات حول دائرة وجوب النفقة بين قصرها على الأسرة النواة أو توسيعها إلى الأسرة الممتدة، وهناك طبيعة النفقة وما تتسم به من إجراءات التقاضي اليوم من بطء وتعقيد، ويتضاعف ذلك مع وجود طرفي الدعوى في إقليمي دولتين نتيجة الزواج المختلط وتزايد الهجرة.
فالمبدأ هو أن كل إنسان تجب نفقته على نفسه ومن ماله، غير أن هناك بعض الاستثناءات التي ألزم فيها القانون بالإنفاق على الغير، وذلك ما نص عليه المشرع المغربي في المادة 187 من مدونة الأسرة، وكذا المشرع الموريتاني.

ويضيف الفقه إلى سببي القرابة والزوجية سببا آخر من أسباب وجوب النفقة على الغير وهو الملكية، حيث تستوجب نفقة العبد على سيده.
وسنتناول في هذا المحور (أولا) سبب الزوجية، وفي (ثانيا) سبب القرابة، على أن نتعرض لسبب الالتزام في (ثالثا).

-أولا: سبب الزوجية:
من أسباب وجوب النفقة على الغير الزوجية، ومعناها أن الزوج يكون وحده ملزما بالإنفاق على زوجته والعكس غير صحيح وغير جائز شرعا وقانونا.
والنفقة لا تجب إلا بعقد الزواج الصحيح شرعا، فإن كان فاسدا فلا نفقة للزوجة لأن الواجب حينئذ الافتراق لا المعاشرة[1].
والنفقة الواجبة للزوجة على زوجها ثابتة بكتاب الله والسنة وإجماع علماء الأمة، ففي الكتاب يقول الله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته}[2] وقوله تعالى كذلك : {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}[3] وهذه الآيات تحمل طابع الأمر والوجوب.
وفي السنة، ما رواه أبو داود عن معاوية القشيري قال: “أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما تقول في نسائنا؟ قال: أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون” كذلك لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم هندا بأن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها بالمعروف، بدون علم منه، إذ القاعدة أنه لا يجوز أخذ شيء من أموال الناس بدون وجه حق: وإلا كنا أمام سرقة أو غصب.
وبالإضافة إلى ما سبق بيانه، فقد أجمعت الأمة باختلاف مذاهبها وفي كل العصور على وجوب نفقة الزوجة على زوجها.

وتجدر الإشارة إلى أن الزوجية تبقى قائمة حتى أثناء العدة من طلاق رجعي، وبذلك تستوجب أن ينفق الزوج على زوجته المطلقة رجعيا أثناء العدة.

-ثانيا: سبب القرابة:
بخصوص سبب القرابة ، فقد اختلف الفقهاء في حدود القرابة الموجبة للإنفاق، فمالك رضي الله عنه ضيق النفقة الواجبة فجعلها على الأولاد الصلبين والأبوين، دون بقية الأصول والفروع وذلك لقوله تعالى:  {وبالوالدين إحسانا}، وقوله تعالى كذلك: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}، وقال الشافعي، أن القرابة الموجبة للإنفاق هي قرابة الولادة، أي تجب فقط نفقة الفروع على أصولهم، ونفقة الأصول على فروعهم من غير تقيد بدرجة. أما أبو حنيفة فيرى أن سبب نفقة الأقارب، المقصود به القرابة المحرمة، ولو لم تكن قرابة أولاد، فهي بهذا المعنى تشمل الأصول والفروع والحواشي كالعم والخال وابن الأخ وابن الأخت مثلا.

وقال أحمد أبو حنبل، إن القرابة التي تكون سببا من أسباب الإنفاق هي القرابة التي يكون فيها القريب الموسر وارثا للقريب المحتاج، إن ترك مالا، لقوله تعالى في نفقة الولد: {وعلى الوارث مثل ذلك}، ولأن بين المتوارثين قرابة تقتضي أن يكون الوارث أحق بمال المورث من سائر الناس، فيجب أن يختص لوجوب صلته بالنفقة من دونهم، فإن لم يكن وارثا، لتأخر القرابة الموجبة لذلك، لم تجب عليه النفقة لذلك[4].
ولأن الميراث شرط القرابة الموجبة للنفقة عند أحمد، فيجب اتحاد الدين، حتى في قرابة الولادة، لأنه لا توارث بين المسلم وغير المسلم، فلا بد أن يكون كلاهما مسلما لتجب النفقة.
وبخصوص مدونة الأسرة فقد سارت في هذا الاتجاه على المذهب المالكي.

-ثالثا: سبب الالتزام:
المقصود بسبب الالتزام هو أن يلتزم الشخص عن طواعية بالإنفاق على غيره ممن لا تلزمه نفقته قانونا، وهو ما نصت عليه المادة 205 من مدونة الأسرة كما يلي: “من التزم بنفقة الغير صغيرا كان أم كبيرا لمدة محدودة لزمه ما التزم به وإذا كان لمدة غير محدودة، اعتمدت المحكمة على العرف في تحديدها”.

تعتبر هذه المادة من النصوص الغامضة في صياغتها، فهي من ناحية لم تميز في الالتزام بالنفقة بين أن يكون بعوض أو بدون عوض، ومن ناحية ثانية لم تبين حدود اللزوم الذي قررته فهل يبقى قائما مثلا ولو افتقر الملتزم، أو أفلس أو مات، وما الحكم في حالة ارتباط الالتزام بالنفقة بشروط؟ وهل يحق للملتزم توقيف النفقة بمجرد ما تبين له الإخلال بتلك الشروط؟ أم يتعين عليه الرجوع إلى القضاء وإثبات الإخلال أمامه؟.

موقف الفقه من الالتزام بالنفقة[5]:
أ‌-    الالتزام بالنفقة بعوض وبغير عوض:
أهم الأحكام التي يختلف فيها الإلتزام بعوض والإلتزام بغير عوض كما هو معلوم هي:
أ-1 الأهلية:
أ-2 شرط التسليم، وتنفيذ الالتزام حيث لا يعتبر من شروط صحة العقد في الإلتزامات العوضية كمبدأ عام. في حين يعتبر كذلك إذا كان الالتزام بغير عوض. ومن تم يبطل الالتزام إذا أفلس الملتزم أو مات قبل التسليم. يقول الحطاب: “والمعروف (أي الالتزام التبرعي) على مذهب مالك وجميع أصحابه، لازم لمن أوجبه نفسه، ما لم يمت أو يفلس”.

والنفقة يمتد تنفيذها في الزمن، وكذلك قد يعجز الملتزم أو يفلس أو يفقد الأهلية أو يموت، فيختلف الحكم حيث ينقضي الالتزام بها إذا كانت بدون عوض، بينما إذا كانت بعوض لا يتأثر استمرارها بهذه الأسباب.

والالتزام بالنفقة قد يأتي في عقد عوضي مثل البيع والإجارة وحكمها هنا حكم أي بدل في العقد العوضي، متى تم إبرام العقد صحيحا، تعين على الملتزم بالنفقة تنفيذ التزامه إلا إذا تحققت فيما بعد بسبب من أسباب الفسخ. وإذا تسلم المبيع أو استوفى خدمات الأجير ألزم بأداء النفقة التي التزم بها، وفي كلتا الحالتين لا يسقط التزامه بفقر أو إفلاس، أو فقدان أهلية أو موت.

وقد يأتي الالتزام بالنفقة في صورة التبرع، وهو الذي يعبر عنه الفقه بالالتزام المطلق أي أن الملتزم لم يربطه بشيء من عمل أو واقعة ما، وحكمها في هذه الحالة أنها مثل باقي الالتزامات التبرعية، تسقط بالإفلاس وفقدان الأهلية والوفاة.

ويعتبر الالتزام بالنفقة أو بغيرها بمثابة الالتزام العوضي متى علق على فعل فيه منفية للملتزم، أو للملتزم له، أو للغير فيخضع لأحكام هبة الثواب أو الإجارة أو الجعل حسب الأحوال.

ب‌-الالتزام بالنفقة بين الزوجين:
إذا كان الفقه يقول:” من التزم الإنفاق على شخص مدة معينة أو مدة حياة المنفق أو المنفق عليه، أو حتى يقدم زيد أو إلى أجل مجهول لزمه، ما لم يفلس أو يمت”، فإنه سلك اتجاها آخر عندما يكون الالتزام بالنفقة بين الزوجين.

ب-1 التزام الزوج:
الالتزام في صلب العقد يمكن أن يكون لمدة محددة كسنة أو خمس سنوات مثلا، أو لمدة غير محددة مثل ربطه بمدة العلاقة الزوجية، أو إلى أن يتوفر المنفق عليه على ما ينفق به على نفسه.
أما إذا كان الالتزام بالنفقة تم بعد عقد الزواج، فإنه يكون صحيحا وتجري عليه أحكام الالتزامات التطوعية فتسقط بإفلاس أو وفاة الملتزم.

ب-2 التزام الزوجة:
يعتبر منافيا للعقد وبالتالي باطلا شرط الزوج على الزوجة أن تنفق على نفسها، فالبطلان من باب أولى اشتراطه عليها أن تنفق عليه.
وتعرض الفقه لالتزام الزوجة في عقد الخلع بالإنفاق على أبنائها أو على زوجها المطلق ذاته.

ومدونة الأسرة لم تتعرض للمدة وإنما اشترطت أن تكون مختلعة قادرة على الوفاء بالنفقة التي تحملت بها.
نفقة المتعة حسب الحالة الاجتماعية
_______________________
[1] ذ. محمد الكشبور: شرح مدونة الأسرة، الجزء الأول، طبعة 2006 ص 315.
[2] سورة الطلاق، الآية 7.
[3] سورة الطلاق الاية 6.
[4] ذ. محمد أبو زهرة: الأحوال الشخصية. دار الفكر العربي. مطبعة الحمدني. القاهرة طبعة 1957. ص 413-414.
[5] أحمد الخمليشي: التعليق على قانون الأحوال الشخصية، الجزء الثاني مطبعة المعارف الجديدة, الرباط. الطبعة الأولى ص 277 وما بعدها.

25 août 2011

سقوط النفقة : متى تسقط نفقة الزوجة ؟

حالات سقوط النفقة – المطلب الثالث:
ينص الفصل 122 من الأحوال الشخصية المغربية على ما يلي:
” تسقط نفقة الزوجة:

  • بوفاة الزوج
  • بالإبراء منها
  • بخروج المطلقة رجعية من بيت عدتها بلا عذر ولا رضى زوجها”.

الفقرة الأولى: وفاة الزوج
إذا انتهت العلاقة الزوجية بوفاة الزوج فلا حق للزوجة في الإطعام والكسوة، وإنما يبقى لها الحق في أن تسكن خلال مدة العدة في مسكن الزوجية إذا كان يملكه الزوج، أو كان أدى كراءه عن مدة العدة. لقوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}.

الفقرة الثانية: الإبراء من الزوجة
تسقط نفقة الزوجة إذا كانت ناشزة، أي امتناعها عن الرجوع إلى بيت الزوجية، رغم صدور حكم يقضي بذلك، والملاحظ أن المشرع المغربي أخذ بموقف الجمهور حيث تباينت الآراء بخلاف النشوز واختلفت التشريعات الوضعية في مدى اعتباره سببا لسقوط النفقة من عدم اعتباره كذلك.

الفقرة الثالثة: خروج المطلقة رجعيا من بيت عدتها بلا عذر ولا رضى زوجها النشوز يشمل خروج الزوجة من بيت الزوج بدون حق شرعي متى كان خروجها بغير إذنه، كما يشمل امتناع الزوجة الانتقال إلى منزل الزوج بدون سبب مشروع بعد أن دعاها إلى الانتقال إليهوقام بإعداد المسكن الإعداد الضروري للحياة الزوجية.

أما خروج المرأة من بيت الزوج بلا إذنه أو سفرها بلا إذنه، أو إحرامها بالحج بغير إذنه، فهو نشوز إلا للضرورة أو لعذر، كأن يشرف البيت على اللإنهدام، أو تخرج لبيت أبيها لزيارة أو عيادة، فيعد خروجها عذرا وليس نشوزا[1].

ويرى المالكية أنه إذا منعت المرأة نفسها عن الزوج بالصوم تطوعا فإن نفقتها تسقط، لأنها منعت التمكين التام بما ليس بواجب فسقطت نفقتها كالناشزة، وإن منعت نفسها بصوم رمضان أو بقضائه، وقد ضاق وقته، لم تسقط نفقتها، لأن ما استحق بالشرع لا حق للزوج فيه.

وقد تبنت أغلب تشريعات الأحوال الشخصية للبلدان العربية هذا الاتجاه السائد في الفقه الإسلامي والقاضي بسقوط نفقة المرأة بالنشوز فقد نصت م 37 من قانون الأسرة الجزائري على ذلك في الفقرة الأولى التي تقض بأن النفقة الشرعية واجبة على الزوج نحو زوجته حسب وضعه إلا إذا ثبت نشوزها، كما أن قانون الأحوال الشخصية السوري نص في المادة 74 على أن : “إذا نشزت الزوجة فلا نفقة لها مدة نشوزها”.

أما مدونة الأحوال الشخصية المغربية فلا تعتبر النشوز سببا لسقوط النفقة فنصت في الفصل 123 على أن: ” نشوز الحامل لا يسقط نفقتها”. “نشوز غير الحامل لا يسقط نفقتها غير أنه للقاضي إيقاف نفقتها إذا حكم عليها بالرجوع لبيت الزوجية أو الفراش وامتنعت، ولا يؤثر الاستئناف في إيقاف النفقة ما لم يقض بإلغاء الحكم”. وانطلاقا من هذا النص يتبين أن المشرع المغربي تبنى الرأي الذي يرى بأن النفقة الزوجية لا تسقط بحال من الأحوال ما دام العقد صحيحا وهذا الرأي الذي يأخذ به الفقه الظاهري، يقول ابن حزم: “وينفق الرجل على امرأته من حيث يعقد نكاحها دعى إلى البناء أو لم يدع… ناشزا كانت أو غير ناشز، غنية أو فقيرة على قدر ماله”[2].فلم يرتب المشرع المغربي عن النشوز بجميع صوره وحالاته إسقاط النفقة إلا في حالة واحدة هي خروج المطلقة رجعيا من بيت عدتها بدون عذر ولا رضى زوجها طبقا للفصل 122.
وفيما عداها من الحالات فإنه يحق للزوج طلب إيقاف نفقة زوجته الناشز عند توفر شرطين اثنين، وهما:
1- أن تكون الناشز غير حامل: أما الحامل فلا يمكن الحكم بإيقاف نفقتها لأنها لمصلحة الحمل، وهذا الرأي عند المالكية كذلك.
2- أن تمتنع الناشز عن الرجوع إلى بيت الزوجية أو الفراش رغم صدور حكم يقضي عليها بذلك.

والجدير بالذكر، أنه يتعين على الزوج الذي يتقدم بطلب إيقاف النفقة أن يرفق مقاله بحكم يقضي على الزوجة بالرجوع، لبيت الزوجية أو الفراش وبمحضر التنفيذ الذي يتضمن امتناع الزوجة عن الرجوع طبقا لأحكام الفصل 123 من مدونة الأحوال الشخصية.

كما أن أسباب سقوط النفقة عسر الزوج، فالمشهور بين فقهاء الإسلام أن عجز الزوج في الإنفاق على الزوجة بسبب عسره ليس سببا من أسباب سقوط النفقة عنه، وإنما يبقى دينا لها في ذمته، إلى أن يوسر، وخالف في ذلك الظاهرية والمالكية وقالوا بسقوط النفقة عن الزوج في حالة عسره. إلا أننا نلاحظ أن المشرع المغربي لم يتطرق إلى مصير نفقة زوجة المعسر عن الإنفاق وبالتالي للزوجة اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالطلاق إن أرادت.
_______________________

[1] وهبة الزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته. ص 779. [2] الإمام ابن حزم، المحلى، المجلد السابع الجزء العاشر، دار الآفاق الجديدة بيروت ص 88.

25 août 2011

آراء الفقهاء في نفقة المتعة

آراء الفقهاء في نوع هذه المشروعية – الفقرة الثالثة:
الناظر في أقوال الفقهاء يجد أن لهم ثلاثة آراء في نوع هذه المشروعية:
-الأول: أن المتعة مندوبة مطلقا في كل طلاق إلا في حالات لم تشرع فيها المتعة حيث ذهب المالكية إلى القول بأن المتعة مندوبة في كل طلاق، ولا ترد منها شيئا مما أخذت سواء دخل بها أو لم يدخل بها.
والمفارقة بلعان لا متعة لها، وأيضا المفارقة من قبل المرأة قبل البناء أو بعده فلا متعة لها، لأن المرأة هي التي اختارت الفراق، فلا تسلى عن المشقة التي تلحق بها.

-الثاني: ذهب الحنفية إلى أن المتعة واجبة إذا فارق الزوج زوجته قبل الدخول والخلوة الصحيحة بسبب من جهته، ولم يكن قد سمى لها عند العقد شيئا يصلح لأن يكون مهرا وذلك لقوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين}[1]، فقد نفى الشارع الحكيم الجناح والإثم من المطلق قبل المسيس، ثم أمره بأن يمتعها بما يخفف آلامها ويطيب خاطرها عن الفرقة التي حصلت بغير سبب منها، والأصل في الأمر يكون للوجوب، فيختص بهذه المرأة احترازا عن غيرها من النساء كالمطلقة بعد الدخول فرض لها أو لم يفرض، أو المطلقة قبل الدخول في نكاح فيه تسمية، فإن المتعة لهؤلاء مستحبة، لأنها لا تجب إلا بدلا عن نصف المهر الواجب في حالة المطلقة قبل الفرض أو المسيس.
أما من استحقت الواحدة منهن المسمى أو المهر المثل بعد الدخول فلا حاجة بها إلى المتعة، وإنما تستحب أو تسن ليكون ذلك من قبيل التسريح.

فخلاصة القول عند الأحناف أن المتعة عندهم تستحب لكل مطلقة، فيما عدا المفوضة وهي من زوجت بلامهر ثم طلقت قبل الدخول، أو سمى لها المهر تسمية فاسدة فإن المتعة تكون فيها واجبة.

-الثالث: قول الظاهرية والشافعية أن المتعة واجبة على كل مطلق أيا كان نوع الطلاق، واحدا أو اثنين أو ثلاثا، وسواء دخل بها أو لم يدخل وسواء سمى لها مهرا في العقد أم بعده أو لم يفرض لها أصلا، وذلك لقوله تعالى:{وللمطلقات متاع بالمعروف} فجعل الله تعالى المتعة لكل مطلقة، ولقوله تعالى: {يا أيها النبىء قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا}[2].

وهذا في نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي دخل بهن، وكان قد سمي لهن مهرا، ولأن المتعة إنما جعلت لما لحقها من الإبتزال بالعقد والطلاق، والمهر إنما هو في مقابلة الوطء، والابتذال موجود فكان لها المتعة. ولما كان الأصل في تشريع المتعة هو جبر خاطر المطلقة، وكانت مواساتها من المروءة التي تتطلبها الشريعة، وكان من أسس التقدير لها قوله تعالى: {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} وكان إيجاب المتعة هو مذهب الشافعي الجديد، حيث أوجبها للمطلقة بعد الدخول إن لم تكن الفرقة منها أو بسببها وهو قول لأحمد اختاره ابن تيمية، كما أن إيجابها مذهب أهل الظاهر وهو قول لمالك أيضا[3].
وعلى هذا وضع المشرع نص المادة 18 مكرر من القانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985.

“الزوجة المدخول بها في زواج صحيح إذا طلقها زوجها دون رضاها ولا بسبب من قبلها تستحق فوق عدتها متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل وبمراعاة حال المطلق يسرا أو عسرا وظروف الطلاق ومدة الزوجية، ويجوز أن يرخص للمطلق في سداد هذه المتعة على أقساط”.

والمتعة بالمعنى السابق هي أحد الحقوق المالية الثلاثة التي تجب للمرأة على زوجها، أولها المهر الذي يجب لها مقابل استيفاء الزوج ما يقتضيه عقد الزواج من منافع الزوجية، وثانيها النفقة التي تجب لها نظير احتباسها لمصلحة الزوج، وثالثها المتعة والتي تجب لها جبرا وترفيها وتخفيفا لما يصيبها من أسف وحسرة ووحشة بسبب استعمال الرجل حقه الذي منحه الله إياه وحرمها منه. فليست كل المشاكل الزوجية والطلاق أو التطليق بسبب الزوجة، فهناك كثير من الأزواج يعتمد إيذاء الزوجة بحرمانها منه، وذلك بطلاقها، والأمر ليس باليسر على المرأة وإن كانت هي طالبة الطلاق.
ومما سبق يمكن أن نستخلص أن المرأة تتضرر أشد الضرر من الطلاق، حتى إن كانت تلك رغبتها، والهدف من فرض نفقة المتعة هو جبر خاطر المطلقة، وليست عقوبة للزوج لاستعمال حقه في الطلاق حيث أن الطلاق بيده.
نفقة المتعة حسب الحالة الاجتماعية
_______________________
[1] الآية 234 من سورة البقرة.
[2] الآية 28 من سورة الأحزاب.
[3] المرحوم الإمام الشيخ أحمد إبراهيم بك. المستشار / واصل علاء الدين أحمد إبراهيم.
“أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية والقانون” ط 2003 ص 805-806 بتصرف بسيط.

Publicité
25 août 2011

مشروعية نفقة المتعة

الفقرة الثانية: مشروعية نفقة المتعة:
لقد وردت آيات متعددة توجب المتعة للمطلقات، وأعم آية منها قوله تعالى:{وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المحسنين}[1] وقد استدل بها من ذهب من العلماء إلى وجوب المتعة لكل مطلقة، سواء كانت مطلقة قبل المسيس أو مدخولا بها، وهو قول عن الشافعي، وإليه ذهب سعيد ابن جبير وغيره من السلف، وهو اختيار ابن جرير.

أما من لم يوجبها مطلقا فيخصص هذا العموم بمفهوم قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المتقين}[2] ويجيب الأولون بأن هذه الآية الأخيرة من باب ذكر بعض أفراد العموم الذي شملته الآية التي أوردناها أولا فلا تخصيص[3].

ويعتبر الإمام ابن حزم المحلي أشهر من أوجبوا المتعة لكل مطلقة بالطلاق، حيث يقول: “المتعة فرض على كل مطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو آخر ثلاث، وطئها أو لم يطئها، فرض لها صداقا أو لم يفرض لها شيئا أن يمتعها، وكذلك المفتدية أيضا.

ويجبره الحاكم على ذلك أحب أم كره، ولا متعة على من انفسخ نكاحه منهابغير طلاق، ولا يسقط التمتع عن المطلق مراجعته إياها في العدة،  ولا موته، ولا موتها والمتعة لها أو لورثتها من رأس ماله”.

ويعرض الأستاذ أحمد محمد شاكر للآيات التي أوجبت المتعة، ثم يقول: “والخلاف في وجوب المتعة للمطلقة المدخول بها، ولغير المدخول بها إذا سمى لها الصداق: خلاف معروف مفصل في كتب التفسير والفقه. والذي نرضاه ونختاره وجوبها لكل مطلقة إلا بالتي سمي مهرها ولم يدخل بها.

جمعا بين الآيات، واستعمالا لكل آية في نصها وموضعها، وهو مذهب الشافعي، وقول لأحمد واختاره ابن تيمية[4].

وذلك أن الآيتين 236-237 من سورة البقرة تدلان على أن المطلقة قبل الدخول إذا لم يسمى لها مهر كان لها المتعة، وإذا سمى لها المهر كان لها نصف المهر، ونصها {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين. وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح…} أما الآية 49 من سورة الأحزاب فظاهرها أن المطلقة قبل الدخول لها المتعة، ولم تقيد بعدم تسمية المهر، فذهب كثير من الفقهاء إلى حمل هذه الآية المطلقة على الآيتين المقيدتين. فلم يجعلوا المتعة للمطلقة قبل الدخول مع تسمية المهر، واعتبر بعضهم أن متعتها الواجبة هي نصف المهر الواجب لها[5]. ونص هذه الآية من سورة الأحزاب هو قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا}.
أما وجوب متعة المدخول  بها فقد ثبت بقوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا}[6].

ومما سبق يتضح جليا على أنه لا خلاف بين الفقهاء في مشروعية نفقة المتعة على عكس آرائهم في نوع هذه المشروعية.
نفقة المتعة حسب الحالة الاجتماعية
_______________________
[1] سورة البقرة الآية 239.
[2] سورة البقرة الآية 234.
[3] راجع تفسير ابن كثير ج 1 ص 439.
[4] نظام الطلاق في الإسلام ص 125 والتي سمى مهرها ولم يدخل بها لها نصف المسمى بنص الآية 237 من سورة البقرة، وسيأتي القول بأن هذا النصف هو متعتها الواجبة.
[5] وممن قال بهذا أستاذ الشيخ علي حسب الله حيث يقول: فقوله تعالى: {فنصف ما فرضتم} معناه “فمتعوهن نصف ما فرضتم” الفرقة بين الزوجين ص 111.
[6] سورة الأحزاب الآية 28.

25 août 2011

نفقة المتعة وكيفية تقديرها – الفصل الأول:

نفقة المتعة وكيفية تقديرها – الفصل الأول:
لقد شغل موضوع نفقة المتعة حيزا كبيرا في قانون الأحوال الشخصية لما لهذا الموضوع من أهمية، حيث تتطلب المحافظة على الحياة الإنسانية، تلبية احتياجاته اليومية، مما يعد من مقومات الحياة الإنسانية، ومنها نفقة المتعة، فبين القانون مستندا إلى الفقه الإسلامي ما يلزم الإنسان من نفقات لغيره، ولعل الناظر إلى مجموع الدعاوى المقامة لدى المحاكم الشرعية يجد أن دعاوى نفقة المتعة شغلت حيزا كبيرا من جملة الدعاوى وكان ذلك نتيجة لابتعاد الناس عن الإسلام وتعاليمه السمحة التي حثت على البر والإحسان، فنجد الزوج رغم يسر حاله لا يقوم بواجباته تجاه زوجته من حيث الإنفاق عليها، مما يضطر صاحب الحق إلى طلب فرض النفقة من القضاء[1].

وحيث أنه قد تراخت المروءة في هذا الزمن وانعدمت، لا سيما بين الأزواج إذا انقطع حبل المودة بينهما، وأصبحت المطلقة في حاجة إلى المعونة أكثر من نفقة العدة، تعينها من الناحية المادية على نتائج الطلاق، وفي المتعة ما يحقق المعونة، وفي الوقت نفسه تمنع الكثيرين من التسرع في الطلاق.
ولما كان الأصل في تشريع المتعة هو جبر المطلقة ومواساتها من المروءة التي تطلبتها الشريعة، وكان من أسس تقديرها قوله تعالى: {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}[2].

وحتى يمكن الإلمام بمختلف عناصر هذا الموضوع سنخصص المبحث الأول لدراسة ماهية نفقة المتعة أما تقدير نفقة المتعة والضمانات الإجرائية في تقديرها ووسائل تنفيذها فسنعرض له ضمن المبحث الثاني.

المبحث الأول: ماهية نفقة المتعة
نصت المادة 18 مكرر من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985:
“الزوجة المدخول بها في زواج صحيح إذا طلقها زوجها دون رضاها ولا سبب من قبلها تستحق فوق نفقة عدتها متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل وبمراعاة حال المطلق يسرا وعسرا وظروف الطلاق ومدة الزوجية، ويجوز أن يرخص للمطلق في سداد هذه المتعة على أقساط”.

وهكذا سنتناول في هذا المبحث تعريف نفقة المتعة وحكم مشروعيتها (المطلب الأول) كما سنعالج في (المطلب الثاني) شروط استحقاق هذه النفقة وآثارها.

المطلب الأول: تعريف نفقة المتعة وحكم مشروعيتها:
الفقرة الأولى: تعريف نفقة المتعة
المتعة لغة: اسم لما ينتفع به، ومتعة المرأة ما توصلت به بعد الطلاق، واصطلاحا: هي مال يعطيه الزوج لمطلقته زيادة على الصداق لتطيب نفسها وتعويضا لها عن الألم الذي لحقها بسبب الفراق بينهما.
وهذا وقد جاء الفصل 52 مكرر من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ينص على إلزام: “كل مطلق بتمتيع مطلقته إذا كان الطلاق من جانبه بقدر يسره وحالها، إلا التي سمي لها الصداق وطلقت قبل الدخول”.
إذا ثبت للقاضي أن الزوج طلق بدون مبرر مقبول تعين أن يراعي عند تقدير المتعة ما يمكن أن يلحق الزوجة من أضرار”.
وهذا المقتضى لم يكن منصوصا عليه في مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957، بل هو مقتضى جاءت به تعديلات 10 شتنبر 1993.

نفس الأمر يمكن قوله بالنسبة لقانون المسطرة المدنية قبل تعديل سنة 1993 حيث كانت خالية من أي مقتضى بهذا الشأن، غير أنه بمقتضى التعديل السالف الذكر أصبح الفصل 179 من نفس القانون يقضي بما يلي: “يصدر القاضي تلقائيا بعد الخطاب على رسم الطلاق أمرا يحدد فيه… المتعة المراعى في تقديرها ما قد يلحق الزوجة من أضرار بسبب الطلاق غير المبرر”.

فمن خلال قراءة لكل من مقتضيات م ح ش الملغاة و ق م م بشأن المتعة يمكن القول بأنهما يقران أحقية المطلقة في المتعة بكون هذا الطلاق جاء من جانبه وانعدام الدافع للمطلق إلى إيقاعه، أما إذا كان هذا الطلاق من جانب الزوجة أو توفر الدافع إليه لدى المطلق كانت المطلقة محرومة من متعتها، وهو ما يستفاد من مفهوم المخالفة لكل من المادة 52 مكرر، والفصل 179 من ق م م، وهو ما يعتبر مخالفة صريحة للآيات القرآنية التالية: يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا}[3]، وقوله سبحانه وتعالى أيضا: {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين}[4].

والتي تجعل الحق في المتعة قائما بمجرد طلاق المرأة بصفة عامة دون تميز بين كون الطلاق من جانبها، أو من جانب الزوج، ووجود الدافع لدى الزوج لذلك من عدمه.

هذا وقد نص الفصل 60 من م ح ش الملغاة على أنه: “يلزم كل مطلق بتمتيع مطلقته.. إلا التي سمي لها الصداق وطلقت قبل الدخول”، وقد جعل الفصل 45 من م ح ش الملغاة مفهوم المطلقة يشمل المرأة التي في نكاح صحيح أو المعتدة من طلاق رجعي، مما يجعل الحق في المتعة قائما لكل مطلقة ما دام الطلاق صادرا عن الزوج دون مبرر لذلك، ما لم تكن مطلقة قبل الدخول وقد سمي لها مهر، وبذلك تتكرر المتعة بتكرر الطلاق، غير أنه أحيانا يحدث أن يرجع الزوج زوجته قبل مخاطبة القاضي على رسم الطلاق[5].

وبمفهوم المخالفة للفصل 60 السالف الذكر تكون الزوجة محرومة من حقها في المتعة في الطلاق الخلعي وحال فسخ زواجها بعد اللعان أو ترد لعيب فيها، كما تحرم أيضا المرأة التي تختار الطلاق في التمليك والتخيير أو في الحالة التي ترفع فيها دعوى التطليق ويتم الحكم وفق طلبها[6].

ويعد ذلك مخالفا لما هو وارد في المذهب الظاهري الذي يجعل واجب التمتيع ملقى على عاتق الزوج سواء كان مطلقا طلقة واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، وقع الدخول أم لم يقع فرض لها صداق أم لم يفرض، ولا متعة لمن انفسخ نكاحه منها دون طلاق[7].

وهو ما أفادته م س التي جعلت المتعة حقا للزوجة المطلقة سواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده، من جانب الزوجة أو من جانب الزوج، وسواء كان ذلك بمبرر أو بدونه، ويستثنى من ذلك انحلال الزواج عن طريق الفسخ مادام أن هذا الأخير لا يعد طلاقا[8].

ويذهب الأستاذ الحسين بن دالي إلى أن المشرع المغربي أقر الحق في المتعة للزوجة سواء كان الطلاق مبررا أم غير مبرر، فقط في حالة كون الطلاق غير مبرر فإن ذلك قد يجعل قيمة المتعة مرتفعة بعض الشيء حتى يتم جبر خاطر الزوجة، وفقا لمقتضيات الفصل 179 من ق م م الذي يجعل هذا النوع من الطلاق فعلا ضارا يلحق بالزوجة يستوجب تعويضا عنه”[9]، وهو ما جعل البعض يعتبرها تعويضا عن الضرر المعنوي الذي يلحق الزوجة جراء الفراق[10] مما يتم معه أخذ ذلك بعين الاعتبار فتكون المبالغ المحكوم بها في طلاق يتولى الزوج إيقاعه دون أن يتوفر على المبرر له، أكبر من تلك المحكوم بها في قضية مشابهة لزوج مطلق يتوفر على المبرر لذلك حيث يكون التعويض عن الضرر الناتج عن الطلاق غير المبرر جزءا من المتعة، هذا فيما يخص ماهية المتعة وطبيعتها وواقعها في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، لكن ما هي الحكمة من مشروعية نفقة المتعة؟
نفقة المتعة حسب الحالة الاجتماعية
_______________________
[1] أحمد حلمي مصطفى، المشكلات العملية في النفقة الزوجية ص 187.
[2] سورة البقرة الآية 234.
[3] سورة الأحزاب: الآية 49.
[4] سورة البقرة: الآية 239.
[5] الشمانتي الهواري ع السلام، الحقوق المالية للمرأة المتزوجة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص كلية الحقوق، جامعة محمد الخامس، الرباط السنة الجامعية 1988-1999 ص 104.
[6] محمد الكشبور شرح مدونة الأسرة، الجزء الثاني، انحلال ميثاق الزوجية، الطبعة الأولى 2006 ص 58.
[7] الإمام ابن حزم، المحلى المجلد السابع الجزء العاشر، دار الآفاق الجديدة بيروت ص 257.
[8] ذ. محمد الكشبور، المرجع السابق ص 59.
[9] ذ. الحسين بن دالي: طبيعة الأمر بتحديد الالتزامات المترتبة على الطلاق وصلاحيات قاضي التوثيق عند إصداره.
[10] ذ. أحمد الخمليشي، التلاقي المتحكم في تطور قانون الأحوال الشخصية مجلة الميادين العدد الثالث عدد خاص، طبعة 1988 ص 283.
ذ. الحسين بلحساني مبدأ التعويض عن الطلاق التعسفي في الفقه الإسلامي ومدونة الأحوال الشخصية مجلة الميادين، العدد الثالث عدد خاص، طبعة 1988 ص 219.

 

23 août 2011

ملتقى طلبة القانون

ملتقى طلبة القانون

Publicité
Publicité
Derniers commentaires
Archives
Publicité